languageFrançais

صانع الوعي الذي اغتالته رصاصات الغدر: صالح الجعفراوي.. شهادة لم تمت

صمد أمام أكبر آلة عسكرية طيلة سنتين..

شيّعت غزة اليوم الاثنين 13 أكتوبر 2025 أحد أصوات الحقيقة الصحفي الشاب صالح الجعفراوي الذي باغته مسلحون برصاصات غادرة فأردوه شهيدا على الفور، بعد ساعات من إعلان وقف الحرب في غزة.

صالح الجعفراوي الصحفي والناشط البارز البالغ من العمر 27 عاما، صمد أمام أكبر آلة عسكرية طيلة سنتين وكان صوت غزة حيث لم يكن يكتفي بنقل الخبر، بل كان جزء منه.. والشهادة التي طالما واجهها في الميدان بشجاعة، أتته غدراً.. رصاصات آثمة من "مليشيات مسلحة" في غزة نفسها.

وثّق ونشر وكشف.. صالح الجعفراوي لم يكن مجرد صحفي

''صالح'' لم يكن مجرد صحفي، بل كان أيقونة الصمود وضمير الشارع الغزي لعامين كاملين من حرب الإبادة في زمن صار فيه نقل الحقيقة ثمنه الحياة.. لقد كان عين العالم على غزة، وصوتها الذي اخترق جدران الصمت والتعتيم.

معاناة الناس كانت تجري في عروقه ولم تثنه المخاطر عن أداء رسالته الإعلامية، بل زادته إصرارا على أن يكون في الصفوف الأمامية، يوثق وينشر ويكشف.. وترك بصمة لا تُمحى في كل ركام وثّقه، وفي كل دمعة نقلها.

الكاميرا كسلاح الشاهد

منذ بدء حرب الإبادة، كان ''صالح'' في قلب الحدث، يوّثق الدمار، ويرصد المعاناة في المستشفيات والخيام، ويصوّر الشوارع التي غطاها الركام. كانت عدسته بمثابة سلاح الشاهد الصادق، تنقل الرواية الفلسطينية غير المزيفة، وتفضح فظاعة الحرب على مرأى ومسمع الملايين حول العالم.

منذ اليوم الأول من الحرب، اتخذ الجعفراوي من هاتفه المحمول منبرا، ومن ميدان الدمار مسرحا لرسالته.. وحمل على كتفيه عبء توثيق الجرائم التي هزّت الوجدان الإنساني، متنقلا بين المستشفيات والخيام والشوارع المدمرة.

 واجه القصف بكلمة.. والتجويع بعدسة.. والتهديد بثبات

شاب في مقتبل العمر كان يواجه القصف بكلمة، والتجويع بعدسة، والتهديد بثبات.. ولم ترهبه القائمة الحمراء للاحتلال التي وضعته هدفاً معلناً، بل زادته إصرارا على المضي في طريق الحقيقة.

وما يُدمي القلب اليوم، أن الشهادة التي طالما واجهها الجعفراوي في الميدان بشجاعة، أتته غدراً.. رصاصات آثمة من "مليشيات مسلحة" في غزة نفسها، اغتالت صانع الوعي في عز تغطيته بعد أن صمد أمام أكبر آلة عسكرية، بيد داخلية، ليُضاف اسمه إلى قائمة شهداء الحقيقة.


وجه إنساني نشط في العمل الخيري

إلى جانب عمله الصحفي، برز الشهيد صالح الجعفراوي كوجه إنساني نشط في العمل الخيري، وشارك في عشرات المبادرات لمساعدة النازحين والمكلومين.

وكان من أهم من ساهموا في توزيع المساعدات خلال الحرب، كما شارك في حملة ضخمة لإعادة بناء مستشفى للأطفال في غزة، تم خلالها جمع 10 ملايين دولار في وقت قياسي، وكان له دور بارز في عيد الأضحى الأخير، حين ساهم في تقديم أكبر عدد من الأضاحي على مستوى القطاع رغم ظروف الحرب والحصار.

يقول صديقه الصحفي أيمن الهسي مراسل قناة الجزيرة مباشر "صالح لم يكن مجرد إعلامي، بل كان مؤسسة إعلامية تمشي على الأرض، غطى مجازر الاحتلال كما حدث في مدرسة الجرجاوي، وحين رأى الأطفال يحترقون أحياء، أجهش بالبكاء، وترك الكاميرا ليشارك في انتشال الشهداء، لم يكن محايدا في وجه القتل، بل كان إنسانا أولا، وإعلاميا يرفض التواطؤ".

ويضيف الهسي وفق موقع الجزيرة "رفض صالح مغادرة غزة وبقي فيها رغم خطر الموت الذي يتهدده، وسبق أن حصل على الكثير من العروض حتى يخرج لكنه رفض وكان صوته هو صوت الشعب".

 

أترك وصيتي لا وداعًا، بل استمرارًا لطريقٍ اخترته عن يقين


صالح الجعفراوي ترك وصية قبل رحيله قال فيها "أنا صالح، أترك وصيتي هذه، لا وداعا بل استمرارا لطريق اخترته عن يقين".

"يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهد وقوة، لأكون سندا وصوتا لأبناء شعبي، عشتُ الألم والقهر بكل تفاصيله، وذُقت الوجع وفقد الأحبة مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يوما عن نقل الحقيقة كما هي، الحقيقة التي ستبقى حجة على كل من تخاذل وصمت وأيضا شرف لكل من نصر ودعم ووقف مع أشرف الرجال وأعز الناس وأكرمهم أهل غزة".

إن استشهدت، فاعلموا أنني لم أغب… أنا الآن في الجنة، مع رفاقي الذين سبقوني.. مع أنس، وإسماعيل، وكل الأحبة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

أوصيكم أن تذكروني في دعائكم، وأن تُكملوا المسير من بعدي.. تذكروني بصدقاتٍ جارية، واذكروني كلما سمعتم الأذان أو رأيتم النور يشقّ ليل غزة.

أوصيكم بالمقاومة… بالطريق الذي سرنا عليه، وبالنهج الذي آمنا به.. فما عرفنا لأنفسنا طريقًا غيره، ولا وجدنا معنى للحياة إلا في الثبات عليه.

كنتُ أقول دومًا: لا تسقط الكلمة، ولا تسقط الصورة.. الكلمة أمانة، والصورة رسالة، احملوها للعالم كما حملناها نحن.. لا تظنوا أن استشهادي نهاية، بل هو بداية لطريقٍ طويلٍ نحو الحرية.

أنا رسول رسالةٍ أردت أن تصل إلى العالم المغمض عينيه، وإلى الصامتين عن الحق. وإن سمعتم بخبري، فلا تبكوا عليّ.. لقد تمنّيتُ هذه اللحظة طويلًا، وسألت الله أن يرزقني إياها فالحمد لله الذي اختارني لما أحب.

أوصيكم بفلسطين.. بالمسجد الأقصى.. كانت أمنيتي أن أصل فناءه، أن أُصلّي فيه، أن ألمس ترابه.. فإن لم أصل إليه في الدنيا.. فأسأل الله أن يجمعنا جميعًا عنده في جنات الخلد.